محمد العبار القادم من دبي أستاذ في لعبة المونوبولي وقصة الإمارة المدينة




رئيس مجلس إدارة شركة إعمار، ذكي فطن يسعى إلى توسيع نطاق الشركة بصورة سريعة خارج حدود الإمارات. في العادة يعتبر من غير اللائق أن يتأخر الصحافي ساعة عن موعد المقابلة. ولكن العبار رئيس مجلس إدارة "إعمار" العقارية، وهي أكبر شركة مساهمة للتطوير العقاري في العالم العربي، يبدو سعيداً بقبول الأعذار وحملها على ظاهر القول. ذلك أن من السهل بالنسبة للزائر العابر لدبي أن يستهين بمدى كثافة الحركة المرورية وسط الطفرة الإقليمية في قطاع العقارات.احتياطي دبي من النفط لم يكن أبداً بكميات كبيرة، كما أنه يتناقص الآن بسرعة. ولكن دبي تسبق الآن بقية دول الخليج في إنشاء قطاعات التجارة والخدمات، وبذلك وضعت نفسها في قلب الطفرة النفطية في الخليج، واجتذبت المليارات من الدولارات النفطية نحو تطوير مبان فخمة، وتوسعة البنية التحتية، وإنشاء فنادق الخمسة نجوم، والاستثمار بشكل متزايد في الخارج من خلال القنوات الاستثمارية في دبي. لعب العبار دوراً رئيسياً في التطور السريع الخاطف الذي تشهده دبي، باعتباره واحداً من ثلاثة من المواطنين من الذين لا ينتمون للأسرة الحاكمة، ومن الذين أعطاهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، مساحات واسعة من الأرض وكذلك الوسائل اللازمة لتطويرها.تأسست شركة إعمار في 1997 وخلال فترة ثماني سنوات فقط، وقبل أن تشتهر الشركة خارج منطقة الشرق الأوسط، أصبحت نشاطاً عملياً تبلغ قيمته السوقية 40 مليار دولار، وتمتلك أعلى مبنى في العالم هو برج دبي، كما أنها وضعت المخططات لتشييد أكبر مول للتسوق، وأكبر مشروع عقاري على الإطلاق في السعودية، وهو مدينة الملك عبد الله الاقتصادية. وبوجود مخططات لإنشاء ما لا يقل عن 200 ألف وحدة سكنية قسم منها قيد الإنشاء، فإن دبي ستصل إلى حد التشبع. لذلك ينشغل العبار بتصدير نموذجه ليصبح واحداً من أصحاب المشاريع العرب الذين يتنامى عددهم ممن يقيمون المشاريع خارج حدود بلدانهم. وعبر دخوله في شراكات مع مصالح عملية محلية قوية ترغب في الاستفادة من قوة الإنفاق الخليجية، أو عبر التفاوض على المستوى الحكومي بدعم من الشيخ محمد، استحوذ العبار على كم هائل من الأراضي يمتد من المغرب إلى الهند، وباكستان مروراً بسورية، ومصر، والأردن، من أجل إقامة سلسلة مشاريع بقيمة مليارات الدولارات. يبلغ العبار من العمر 50 عاماً، وهو رجل سريع البديهة وماهر في التحوط لأسئلة من قبيل طبيعة علاقة الشركة بعائلة مكتوم الحاكمة، أو التي تتطرق إلى صفقات الأراضي في قاعدة إمبراطوريته الآخذة في التوسع. ومع ذلك، فإن التوسع الإقليمي يشبه لعبة المونوبولي (الاحتكار) بالنسبة للعبار: اندفاع لتأمين مواطئ أقدام رئيسية حول لوحة اللعب الفارغة، ومن ثم الانطلاق لبناء المساكن والفنادق بالسرعة الممكنة. تعتمد هذه الاستراتيجية على البحث عن الأسواق النامية التي تقل فيها العقارات عن قيمتها الحقيقية، أو التي سوف تصمد فيها الأحياء التي تبنيها الشركة على الطراز الأمريكي للمنافسة. العبار يفضل أن يكون الاثنين ويقول: من حسن الطالع أن عدد سكان البلدان التي تغطيها مشاريعي يقارب 1.5 مليار نسمة ما بين الهند وباكستان والشرق الأوسط. إن السياسات الحكومية تتغير، واللاعبون الذين يصلون أولاً يجنون ميزة السبق. إن شركات التطوير المشهورة في الولايات المتحدة وأوروبا تتطلع إلى بعض هذه البلدان، ولكنها لا تدري كيف تحصل على تذكرة السفر إليها، ولا تعرف أي باب ينبغي عليها أن تقرعه. ولكنها سوف تأتي. ومع أن شركة إعمار تحقق أرباحاً متنامية بشكل ثابت، إلا أن سعر سهمها أصابه ما أصاب غيره في المنطقة، فهبط إلى نصف قيمته حين انهارت أسواق الأسهم في وقت سابق من هذا العام، ولم يبدأ سعر سهمها باستعادة قيمته إلا منذ فترة قريبة. ولكن العبار يصرف النظر عن الطريقة التي أعاق بها مستثمرو التجزئة المحليون المتقلبون تحقيق طموح آخر عزيز عليه: وهو جعل شركته أكبر شركات التطوير العقاري في العالم من حيث القيمة السوقية، وهذا حد كانت على وشك بلوغه قبل أن تهبط قيمتها من 40 إلى نحو 20 مليار دولار هذا العام. هذا الموقف- والقدرة على عدم المبالاة ببعض القضايا المربكة التي حولت الشرق الأوسط إلى مرجل يغلي بالعواطف المعادية للغرب - جعل العبار شخصية محببة في المناقشات العامة التي تجريها الهيئات والمجموعات المختلفة التي يدعى إليها كثيراً للتحدث عن أهم المشكلات التي تواجه العالم العربي. واشتهر بنقده الصريح اللاذع، على عكس الكثير من نظرائه. يقول عن الرئيس الأمريكي، جورج بوش: حتى الكاوبوي يتعلمون من أخطائهم. قال هذا مبدداً المخاوف الإقليمية من أن يؤدي الخلاف بين واشنطن وطهران حول برنامج إيران النووي إلى صراع ثان في المنطقة يكون على عتبة باب دبي. وخلافاً لشركة نخيل العقارية، وهي شركة أخرى من شركات التطوير العقاري في دبي، لها منتجعات فخمة على شكل أشجار النخيل في الجزر التي استصلحتها من البحر، انصب تركيز شركة إعمار في البداية على سرعة إنشاء أحياء ذات أسماء مختلفة على شاطئ الخليج. وتشتمل هذه الأحياء على برك سياحية وملاعب جولف، وأماكن مشتركة للشواء، وتم إعطاء هذه الضواحي التي تم تطويرها في الصحراء أسماء رعوية من قبيل البحيرات، أو المزارع العربية، ووضعت تصاميمها لتنال إعجاب الجاليات الأجنبية الآخذة في التوسع في دبي. وبفضل رخص اليد العاملة غير الماهرة القادمة من جنوب آسيا، تمكنت شركة إعمار من تعهد العديد من مشاريع التطوير بشكل متزامن, وحصلت على أهم موجوداتها وهي الأرض من حكومة دبي دون مقابل، على أن يكون لحكومة دبي حصة 30 في المائة في الشركة، الأمر الذي يساعد على جعل هوامش الربح مرتفعة. ومما يكمل استراتيجية الشركة وجود نمط جريء للتسويق، وجهات مستعدة للشراء على المخطط بدفع 30 في المائة من القيمة مقدماً. ويقول العبار، تمكنت الشركة بهذه الطريقة من العمل بمديونية صفر في ميزانيتها العمومية. وفي حال برج دبي، غطت الشركة ما يزيد على تكاليف التطوير، حيث بيع المتر المربع الواحد بمبلغ ثمانية آلاف دولار قبل أن يتم الانتهاء من إنشاء 20 في المائة من البرج المخطط له أن يتألف من 200 طابق، وذلك وفقاً لما ذكره المحللون. ومع ذلك، يتساءل البعض عما إذا كانت هذه الإستراتيجية قابلة للدوام في ظل ارتفاع أسعار الأراضي, واليد العاملة في البلدان التي تعمل فيها الشركة خارج دبي. ويقول أحد الخبراء في أمور الشركة: الخطر الرئيسي بالنسبة لشركة إعمار هو ما ندعوه عدم جني المحصول أثناء البذار. فقد لا تكون أسواق العقار العالمية بالعافية الجيدة التي كانت عليها قبل سنة، لذلك عليها أن تسارع بالبيع بأسرع ما يمكن. في دبي، حولت شركة إعمار الجزء الأكبر من المخاطر إلى البنوك وشركات الرهن التي تقدم القروض لمشتري العقارات. ويقول المحلل: في الأسواق الأخرى التي لا تتسم فيها صناعة الرهن بالدينامية نفسها، يمكن أن تواجه شركة إعمار مصاعب في الدفعات والسداد أثناء عملية الإنشاء. ولكن ما زالت لديها القدرة على الاقتراض.بعد تخرجه في جامعة سياتل في 1981، التحق العبار بالعمل في البنك المركزي للإمارات, وصعد نجمه بعد أن تمكن من مضاعفة أموال شركة دبي للألمنيوم. وبعد ذلك، انتدب للعمل في سنغافورة لمدة ست سنوات مديرا عاما لشركة الخليج للاستثمارات - وهي إحدى الشركات المملوكة لحكومة دبي، ويتركز عملها في العقار. ويقول إنه أصيب هناك بالذهول من طاقة اقتصادات النمور الآسيوية، وبدأ يقدر الإمكانات الكامنة للشرق الأوسط. ويقول في هذا الصدد: شعرت بأن الشرق الأوسط كان بحاجة لشركة عقارية جادة تتوافر على حجم ومهارات تمكنها من الاستفادة من الاقتصادات المتفتحة في المنطقة. وفي الوقت نفسه، كنت أدرك أن الناس اليوم بحاجة لأنواع الحياة التي يشاهدونها على الفضائيات - شارع نظيف يلعب فيه أبناؤهم، ومناظر طبيعية جميلة، وبعض المحال التجارية الملائمة. ومنذ ذلك الوقت، رسخت شركة إعمار نفسها كعلامة تجارية شرق أوسطية. ورغم ذلك، فإن العبار يتحدث بتواضع أكثر عن أثرها حتى الآن في الأسواق البعيدة. ويجد أيضاً أنه يجب عليه أن يكيف أسلوبه الإداري: حين كان نشاط الشركة مقصوراً على دبي، كانت القرارات- حتى ما يتعلق فيها بلون الدهان- غالباً ما ترفع إلى رئيس مجلس الإدارة للموافقة عليها. ومع توسع نشاط الشركة ودخولها أسواقاً جديدة، أخذت تزداد أهمية وجود شركاء متضامنين، وأهمية عمليات الاستحواذ: فالاستحواذ على شركة جون لينغ هومز، وهي ثاني أكبر شركة لتطوير العقارات في الولايات المتحدة، بقيمة مليار دولار، كان بعض ما قصد منه الحصول على مزيد من المهارات والخبرات في الإدارة، وخدمة الزبائن، والتصميم، كما يقول العبار. وفي أيار (مايو) الماضي، دخل في شراكة مع المصمم الإيطالي جورجيو أرماني للبدء في الأعمال الفندقية. وسيتألف أول فندق يحمل اسم أرماني من 175 غرفة في برج دبي. ومن المقرر أن تشكل ممتلكات الشركة في مراكش وميلانو المرحلة الثانية. ويقول العبار معلقاً على ذلك: من شان علامة تجارية مثل علامة أرماني التي تعكس الموضة والأناقة أن تعطي قفزة كبيرة لأعمالي. وتتبنى الشركة استراتيجية مشابهة مع انتقالها إلى قطاعات أخرى، فاستحوذت في الآونة الأخيرة على حرم جامعة رافلز في سنغافورة كجزء من خططها الطموحة للاستثمار في التعليم. ويستشف النقاد نفحة من العجب بالذات لديه حول هذه الطموحات التي لا تعرف الحدود. ولكن لم يتهم أي شخص العبار بعدم اغتنام الفرصة السانحة. وينظر العبار إلى الخارج، إلى سماء دبي المملوءة بالرافعات ويقول: بسبب الاقتصادات المنغلقة ومستوى الحماية الحكومية في الشرق الأوسط، لم يجرؤ الكثير من رجال الأعمال على التوجه إلى الخارج. وبالطبع هذا أمر صعب، ولكن إذا بقيت في مقعدك الوثير، فلن تصل إلى أي مكان.

Comments

Popular posts from this blog

إمبراطورية عائلة الفهيم قيمتها مليار دولار

طلال خوري: أخذت من والدي 150 مليون درهم عام 1998 خسرت أغلبها في سوق الأسهم

المغربي السولامي رحال : من العلف...لأكبر ممون حفلات