عاد إلى الأردن بـ30 دولارا في 1956 وعجز عن سداد جمرك سيارته


عاد إلى الأردن بـ30 دولارا في 1956 وعجز عن سداد جمرك سيارته
الثري الفلسطيني منيب المصري ينشر إستثماراته في 20 دولة




على ارتفاع يزيد عن 900 متر عن سطح البحر جلس رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري داخل غرفة معظم ما بها تاريخي يعود للقرن السابع عشر ميلادي.. يتناول فطوره المتواضع نسبيا مع عائلته الثانية كما وصفها "كانتي السريلانكية وزوجها روي وعاملين آخرين من ذات البلد، وزياد الفلسطيني من بيت لحم".ينشغل أحيانا في الرد على هاتفه المحمول لينسق مواعيد بنفسه، ويعود لمتابعة الطعام. ثم قال "لقد فكرت في إنشاء هذا البيت عام 1953، ولكن لظروفٍ كثيرة بدأ العمل به بعد أكثر من 45 عاما من ذلك التاريخ، أحببت أن أجعله مكانا يستريح به الضيوف الوافدون إلى فلسطين ويناقشوا المواضيع التي تهمها.ويتربع "بيت الضيافة" أو "بيت فلسطين"، والذي يطلق عليه أهل مدينة نابلس "القصر" على قمة جبل جرزيم "الطور" أو ما يلقب بـ(جبل البركة) أو (جبل الرحمة)، على مساحة أرض تقدر بآلاف الأمتار. بداخله كرسي خاص كان يجلس عليه "نابليون بونابرت" ولوحات وخزانة قديمة، وفي منتصفه تمثال لهرقل الجبار
آخر العنقود
ولد منيب رشيد منيب المصري في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية عام 1934 لعائلة مرموقة اجتماعيا واقتصاديا، فجده ووالده تعاقبا على منصب "مختار"، بالإضافة إلى كونهما من كبار تجار الحبوب وملاك الأراضي بفلسطين. كما كان والده يملك محلا لبيع الذهب ورثه عن أبيه، وما زال المحل موجودا بنابلس ويديره الحفيد الخامس لجد منيب، وبذلك تكون 5 أجيال تعاقبت عليه.منيب، وهو "آخر العنقود" في عائلته المكونة من 8 إخوة وأختين، لا يعرف والده الذي توفي وعمره أقل من سنتين، فاعتنى به أشقاؤه الكبار، لينهي دراسته الثانوية في سن السابعة عشرة ويبحر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1952 ليدرس في جامعة تكساس، ويحصل على شهادة البكالوريوس في الجيولوجيا والماجستير في الشؤون والعلاقات الدولية. وخلال تلك الفترة ارتبط منيب بزميلته الأمريكية في الدراسة وأنجبا طفلهما الأول ربيح.ويذكر منيب قصة حدثت معه خلال العودة إلى الأردن عام 1956، فلم يكن يملك حينها إلا 30 دولارا، وعليه دفع جمرك السيارة التي يملكها ما قيمته 300 دينار. يقول "تدخل يومها وزير المالية صلاح طوقان، وسمح لنا بالمرور، وبعد 6 أشهر كاملة دفعت رسوم الجمرك".
الشركة الأمريكية والفوسفات
بدأ منيب عمله في الأردن كأول جيولوجي في وزارة الاقتصاد. لكنه ما لبث أن التحق بشركة "Phillips Petroleum" الأمريكية للتنقيب عن البترول، فاستأجر غرفة صغيرة له ولعائلته في العاصمة عمان ليستقر بها.وخلال عمله مع الشركة الأمريكية ساهم المصري في رسم أول خريطة جيولوجية للضفة الغربية، حيث حفرت الشركة 5 آبار للتنقيب عن البترول اثنين في الأردن ومثلهما بالضفة وخامسا في البحر الميت. بذات الوقت كان منيب وزوجته يؤسسان "المكتب الأردني للخدمات الجيولوجية والهندسية"، والذي تحول لمجموعة شركات ضخمة تعرف اليوم بـ"Edgo Management Group". وهناك أنجبا طفليهما مي ومازن.كما يفخر المصري بأنه ساهم في اكتشاف مناجم الفوسفات في منطقة الحسا، حيث كان يعمل مستشارا لمجلس الإعمار الأردني الذي كان يرأسه حينها الدكتور كمال الشاعر صاحب ومؤسس مجموعة شركات "دار الهندسة" المعروفة على المستوى العالمي.
فرحة الجزائر وعرفات
لم يتردد المصري عام 1962 في قبول منصب رئيس فرع الشركة الأمريكية في الجزائر، ويصبح مسئولا عن ما يزيد على 850 موظفا وعمرها لم يتجاوز الـ28 عاما. يقول: "كفلسطيني كنت أعشق الجزائر ونضالات شعبها، وعشت معهم فرحة الاستقلال، حيث كنت قبل قدومي للجزائر أستمع في كل ليلة للبيان العسكري الصادر من على قمة جبال "الأوراس" -معقل الثورة والمجاهدين الجزائريين-.عشق المصري للوطن ورفضه للاحتلال بكافة أشكاله تعزز في الجزائر، فقد عايش تأميم أول خط لنقل الغاز هناك، مما سبب له مضايقات لاحقة. عن تلك المرحلة يقول "كان هناك إنتاج ضخم من البترول تسيطر عليها الشركات الفرنسية، وكانت "فيليبس بتروليوم" شريكة لإحداها.. حتى قرر الجزائريون تأميم أول خط لنقل الغاز في الجزائر، اجتمع بعضهم صدفة في بيتي". ويتابع "لقد سبب لي ذلك مضايقات نظرا لأن فرع شركتي المسؤول عن الجزائر كان موجودا في فرنسا، فبدأت السلطات الفرنسية تضايقني في تحركاتي".وهناك تعرف منيب المصري على المرحوم خليل الوزير (أبو جهاد)، وذلك سنة 1963، الذي كان قد وصل الجزائر حديثا، وكان لا يزال عروسا، وقد قدم للجزائر ممثلا لحركة "فتح"، وقد بادرت لاحتضانه، وساعدت الفكرة بقدر استطاعتي، وتوثقت العلاقات بيننا. وذات يوم زرته في مكتبه فكان معه رجل عرفني عليه قال إن اسمه ياسر عرفات، "فأصبحنا صديقين عزيزين إلى يوم استشهاده".
الهمّ الخاص والوطني
تمسك شركة "فيليبس بتروليوم" بالمصري، دفعها لتعيينه مديرا لفرعها في لبنان عام 1965، ليبقى فيها حتى عام 1970، ويعود بعدها للأردن ليتفرغ لمجموعة "إدغو".طيلة تلك السنوات (1956-1970) كان "المكتب الأردني للخدمات الجيولوجية" -مجموعة "إدغو"- يحقق نجاحات متتالية، وينتقل من دائرة الاستكشاف إلى دائرة التسويق والامتيازات، ويتحول تدريجيا إلى مجموعة شركات تعمل في المقاولات، والتنمية الصناعية والتجارة والتوزيع والتمثيل التجاري، وتطوير المشاريع، والتشغيل والصيانة. وتقدم أيضا خدمات هندسية لصناعات النفط والغاز والماء وتمويل المشاريع في الشرق الأوسط وإفريقيا. وباتت تنتشر اليوم في أكثر من 20 بلدا في العالم.وعلى الصعيد الشخصي بات المصري رئيسا أو عضوا لأكثر من 40 شركة ومؤسسة اقتصادية وتجارية على المستوى العالمي. بالإضافة إلى توجهه للأعمال الخيرية والتطوعية، وبذات الوقت الأكاديمية من خلال رئاسته أو عضويته لمجالس أمناء بعض الجامعات الفلسطينية والعربية.رغم كل هذا، لم يبتعد منيب عن همّ القضية الفلسطينية، فقد عايش جميع منعطفاتها. ومع كونه عضوا في المجلس الوطني والمركزي الفلسطيني، إلا أنه يؤمن بالمقاومة السلمية للمحتل لأنه حق كفلته الشرائع الدولية.والمفارقة في حياة منيب المصري أنه شغل منصب وزير الأشغال العامة في حكومة وصفي التل، رئيس وزراء الأردن الأسبق، بعد أن تداول الأمر مع الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية وكذلك مع الملك حسين، قبل أن يوافق على الاشتراك في الحكومة التي شُكلت مباشرة بعد أحداث أيلول 1970.
باديكو وتفرعاتها
وبعد إنشاء السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1994، عاد منيب مع مجموعة من زملائه وإخوانه وابن عمه صبيح المصري ليؤسسوا شركة فلسطين للتنمية والاستثمار "باديكو" لتأخذ موقعاً طليعياً في البناء والإعمار، برأسمال 200 مليون دولار، وصل اليوم لأكثر من 1.5 مليار دولار، حيث استطاع مجلس الإدارة أن يركز نشاطها الاقتصادي في قطاعات الصناعة والعقارات والسياحة والإسكان والخدمات.ويتمثل هدفها الرئيس في المساهمة في إعادة بناء البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني من خلال التركيز في استثماراتها في قطاعات السياحة، العقار، الصناعة والتصنيع، التمويل، المناطق الصناعية، توليد الطاقة، الاتصالات وتقنية المعلومات. وكانت مسؤولة عن إنشاء سوق الأسهم الفلسطينية، وأول شركة تليفونات خاصة في المنطقة (بالتيل).ولقد بذل منيب مع إخوانه وزملائه جهداً كبيراً في إنجاح عدد من المشاريع الإنشائية الإنمائية الاستثمارية للشركة في فلسطين لتبدأ في الإنتاج وتحقيق الإيرادات، وهكذا استطاعت "باديكو" تأسيس العديد من الشركات والمشاريع المستقلة والتابعة والمتفرعة.ففي القطاع السياحي، أسست "باديكو" شركة فلسطين للاستثمار السياحي سنة 1997، كشركة مساهمة عامة محدودة، وكانت باكورة أعمالها إنشاء فندق "قصر الجاسر إنتر كونتننتال" بيت لحم (خمس نجوم)، وهو الأول من نوعه في الأراضي الفلسطينية. أيضا تتفرع من المجموعة شركة فلسطين للاستثمار العقاري.
سوق فلسطين المالية
وفي القطاع المالي أسست المجموعة وتدير شركة سوق فلسطين للأوراق المالية ومقرها نابلس، حيث وصلت عدد الشركات المدرجة فيه إلى خمس وثلاثين في 2007. وتعقد السوق حالياً خمس جلسات أسبوعياً وتعتمد السوق تسع شركات وساطة موزعة على معظم المدن الفلسطينية، ويتم إدراج الشركات المساهمة العامة والمؤهلة بموجب معايير حددتها السوق وبرقابة وزارة المالية.ولم تتوقف استراتيجية مجموعة فلسطين للتنمية والاستثمار عند هذا الحد، بل قامت "باديكو" مع مستثمرين فلسطينيين آخرين، بإقامة شركة الاتصالات الفلسطينية، بهدف إدارة وتشغيل وتطوير قطاع الاتصالات في فلسطين، وبناء شبكة اتصالات فلسطينية مستقلة.وحققت المجموعة أرباحا جيدة خلال الأعوام الأخيرة، نتيجة لاستثماراتها المباشرة وغير المباشرة في الأسواق المحلية والعربية والإقليمية كما يؤكد المصري، الذي يشير إلى أنه حرص على التنوع في الاستثمارات المباشرة والمالية للمجموعة لتحقيق دخل جار ومتنام من خلال الاستثمار في الأسواق المحلية والعربية.وبحسب المصري، فإن نتائج أعمال الشركة في العام 2007 كانت جيدة؛ إذ أظهرت البيانات المالية الأولية إيرادات إجمالية بمبلغ 49.7 مليون دولار أمريكي، فيما بلغ صافي الربح 37.5 مليون دولار أمريكي، وهو يشمل حصة "باديكو" من نتائج أعمال الشركات التابعة والحليفة للعام 2007، وقد تم طرح جميع المصاريف والنفقات والمخصصات اللازمة، وذلك بما يتفق مع متطلبات المعايير المحاسبية الدولية. مشيرا إلى أن البيانات المالية المذكورة تظهر أن مجموع موجودات الشركة قد بلغ 424.9 مليون دولار، فيما بلغ مجموع حقوق المساهمين 329 مليون دولار.
السياسة والمنتدى
المصري يؤكد أنه ليس لديه أي طموح سياسي، ولا يسعى لأي منصب مهما كان، وأن همه الأول والأخير القضية الفلسطينية.. ومع هذا فهناك من يرى أن حراكه السياسي مؤثر، بفضل سجله القوي كرجل أعمال عصامي وناجح، كون ثروة عبر السنين، حتى أنه ساهم بشكل مباشر في أهم العلامات البارزة في الاقتصاد الفلسطيني نفسه. لذلك فهو حريص على إحداث حراك إيجابي بقيمة مضافة في أوساط الشباب العاطلين عن العمل والمرأة، وذلك بطرح برامج تدريبية وفرص وظيفية. من أجل ذلك أعلن المصري في 15-11-2007 عن تأسيس "منتدى فلسطين"، الذي يضم بالإضافة إليه مجموعة كبيرة من الشخصيات الفلسطينية في الداخل والخارج من مختلف المشارب السياسية والاقتصادية والفكرية غير الحزبية أو الفصائلية، ملخصا أهدافه بالعمل على الخروج بالشعب الفلسطيني من محنته وإنقاذ مشروعه الوطني وتحقيق أهدافه بإنهاء الاحتلال تماماً وحل قضية اللاجئين، التي هي أساس محنة هذا الشعب، حلاً عادلاً وفقا للقرارات الدولية رقم 194 و242، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره على أرضه وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، كجزء من المجتمع الدولي بجميع الحقوق والواجبات المرتبطة بذلك.وفي اللوائح الداخلية للمنتدى، يرى أن بناء المؤسسات القوية والفاعلة ذات الكفاءة على جميع الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تؤسس للدولة المستقلة كاملة السيادة عملا وطنياً من الدرجة الأولى يستحق كل جهد وكل دعم، وبالتالي فإنه يتمسك بحقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ويؤكد على وحدته ووحدة أرضه وقضيته الوطنية ونظامه الديمقراطي، وعلى احترام الشرعية الفلسطينية وبمختلف مكوناتها، وفي المقدمة منها شرعية منطمة التحرير. ومؤسساتها وشرعية الرئاسة الفلسطينية وشرعية المجلس التشريعي، كما يتمسك بالديمقراطية بمعناها الواسع كنظام دائم للحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية، وبمبادئ الحكم الرشيد، وعلى رأسها مبدأ التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات، كما يتمسك بحرية الإعلام وكفاءة القضاء واستقلاله، وحق الأقلية في الاختلاف واحترام التعددية الفكرية والسياسية والحزبية داخل المجتمع والنظام السياسي ككل، ويرفض وينبذ كل ما يتعارض مع هذا المبدأ.كما يؤكد المنتدى على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكافة الأشكال والوسائل التي يكفلها القانون الدولي، وبما ينسجم مع عدالة وأخلاقية قضيتنا والمصلحة الوطنية والقومية العليا.يقول منيب "لقد بدأنا بخمسة أفراد واتسعنا لنصل اليوم إلى الآلاف، ولقد ابتعدنا عن الحزبية حتى يكون فضفاضاً يتسع لكل أبناء الشعب الفلسطيني بكافة أطيافهم، ليكون ضمير الشعب في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي أصبح يهدد وجود الإنسان الفلسطيني.. إننا نسعى إلى محاربة الفساد والفلتان وحالة الفوضى التي نعيشها، وتدعيم الإصلاح الذي أصبح حاجة فلسطينية ملحة".
آخر الكلام
قبل أن نودعه وهو يستعد للسفر في جولة جديدة من جولاته، يؤكد المصري "أن الاحتلال "لازم يزول" حتى يتشجع المستثمر العربي ويأتي إلى هذه البلاد المباركة وينفذ بها مشاريعه"، موجها دعوة إلى رؤوس الأموال ورجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج إلى العودة لبلدهم لينهضوا به. مؤكدا أنه غير نادم مطلقا على عودته وعمله في فلسطين.وعن وصفته السحرية، قال "سبب نجاحي هو عملي الدءوب الذي كان يستمر لأكثر من 18 ساعة يوميا، وإيماني بقدراتي، وتعاون زملائي وإخلاصهم، ووقوف زوجتي وعائلتي إلى جانبي، وإيماني المطلق بعدالة قضيتنا

Comments

Popular posts from this blog

إمبراطورية عائلة الفهيم قيمتها مليار دولار

طلال خوري: أخذت من والدي 150 مليون درهم عام 1998 خسرت أغلبها في سوق الأسهم

المغربي السولامي رحال : من العلف...لأكبر ممون حفلات